والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع 808 وانتحل جرير قول المعلوط بن بدل السعدي [كامل] :
إن الدين غدو بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
809 وانتحل الفرزدق قول أخيه الأخطل بن غالب المجاشعي [طويل] :
وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب
سروا [يخبطون الليل] وهي تلفهم ... إلى شعب الأكوار من كل جانب
إذا ما استدار وجهة الريح أعصفت ... تصك وجوه القوم بين الركائب
إذا أوقدت نار يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب
رأوا ضوء نار في يفاع تألقت ... يروي إليها ليلها كل ساغب
فشبت لمقرورين طال سراهم ... إليها وقد أصغت توالي الكواكب
إلى نار ضراب العراقيب لم يزل ... له من ذنابي، سيفه خير خالب
تداوله الأنساء في ليلة الصبا ... ونمري به اللبات عند الترائب
وكان الأخطل هذا شاعر طويل اللسان، كثير المحاسن، فكسفه الفرزدق، فانطوى فضله، وكان أبو عمرو بن العلاء لا يعبأ بشعر الفرزدق ويظن أنه ليس له [ملكة رياضة الشعر، ونحى عليه] ، واستنشده يوماً فأنشده [بسيط] :
كم دون منه من مستعمل قذف ... ومن فلاة بها تستودع العيس
فقال يا [فرزدق أنت] ، قلت هذا؟ فقال: اكتمها علي! فو الله لضوال الشعر أحب إلي من ضوال الأهل.
810 وانتحل جرير قول طفيل الغنوي [طويل] :
ولما التقى الحيان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله
811 [أخبرنا أبو] عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي قال:
سمعت عقبة ابن رؤبة يقول: قال لي أبي "مر بي العجاج ونحن متوجهان إلى عبد الملك أنا أقول [رجز] :
حتى احتضرنا بعد سير حدس ... أمام رغس في نصاب رغس
فقال: يا أحمق! ألا تقول [رجز] :
بين ابن مروان قريع الإنس ... وابنة، عباس قريع عبس
أنجب عرس جبلاً وعرس ... بين نجيب لم يعب بوكس
ضياء بين قمر وشمس" قال رؤبة: "فاستلحق ما قلته، وذهبت كلها للعجاج".
باب
الانحال
812 قال أبو علي: ونريد أن نفرق بين الإنحال والانتحال، فرقاً نكشف قناعهما به.
813 أخبرنا أبو عمر بن ثعلب عن الأثرم عن أبي عبيدة عن يونس ابن حبيب قال: قدم حماد البصرة على بلال بن أبي بردة، فقال له بلال: "ما أطرفتنا شيئاً?" قال: "بلى" وأنشده القصيدة التي أولها [بسيط] :
وجحفلٍ كبهيم الليل منتجع ... أرض العدو ببوسى بعد إنعام
مستحقبات رواياها جحافلها ... تسمو إلى أشعرى طرفه سامي
وذكر حماد أنها للحطيئة فقال له بلال: "ويحك يمدح أبي، الحطيئة بمثل هذا الشعر، ولا أعلم؟ وأنا أروي شعر الحطيئة كله؟ ولكن دعها تذهب في الناس".
814 وحكى ابن سلام قال: "وكان أول من جمع أشعار العرب، وساق الأحاديث حماد الرواية، وكان غير موثوق به، وكان ينحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعال".
815 قال: "سمعت يونس النحوي يقول: العجب ممن يأخذ عن حماد وكان يكذب، ويلحن، ويكسر".
816 قال: "ولما راجعت العرب رواية أشعارها، وذكر أيامها، ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم، وما ذهب من ذكر وقائعهم وأيامهم، وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، وقالوا على ألسنة شعرائهم، ثم تكاثرت الرواة بعد، فزادت في الأشعار التي قيلت، وليس [بشكل] على أهل العلم زيادة الرواة وما وضعوا، ولا ما وضع المولدون، وإنما عضل عليهم أن يقول الرجل من أهل البادية من ولد شاعر، أو الرجل من قومه [وليس من ولد] الشاعر، ومنشأة منشأ الشاعر، فيشكل حينئذ بعض الأشكال".
817 أخبرنا ابن أبي غسان قال: أخبرني أبو الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: أخبرني أبو عبيدة عن عمر بن سعيد الثقفي قال: "وكان حماد لي صديقاً ملطفاً، فعرض علي ما قبله يوماً، فقلت له: أمل علي قصيدة لأخوالي سعد بن مالك، فأملي علي قصيدة زعم أنها لطرفة، وأولها [كامل] :
إن الخليط أجد منتقله ... وكذاك زمت غدوة إبله
وليست له، هي لأعشى همدان، وفيها يقول [كامل] :